الرحلة السرية للعقيد الروسي دولتشين إلى الحجاز

نبذة النيل والفرات:
إن أوصاف المدينتين المقدستين في الجزيرة العربية، مكة المكرمة والمدينة المنورة، شغلت مكاناً كبيراً في المؤلفات التي وصلت إلينا من أدب التاريخ والجغرافيا عند العرب وسائر الشعوب الإسلامية. فإن مؤلفات جغرافية شهيرة عديدة، ومنها "سفرنامة" تأليف ناصر خسرو قد ظهرت بمثابة أوصاف للحج إلى مكة. كما ظهر نوع خاص من المؤلفات مكرس لفضائل المدينتين المقدستين. وفي هذا الصدد لفت العلماء الأوروبيون، من زمن بعيد، الانتباه إلى الإمكانية الفريدة التي توفّرها المصادر من هذا النوع لبحث تاريخ مكة المكرمة وجغرافيتها التاريخية والتي يتّسم معظمها بأهمية على صعيد دراسة الحج بالذات، ودوره التاريخي الثقافي والاجتماعي والسياسي في المجتمع الإسلامي.

وباعتبار الحج عنصراً محورياً، فإن هذه اليوميات للعقيد الروسي عبد العزيز دولتشين لرحلته إلى الحجاز تأتي بمثابة دراسة تتيح للقارئ أن يرى تاريخ الشعوب الإسلامية في وحدته. وأن الكاتب يود لو يعتبر بحثه هذا قسطاً في بناء صرح جليل لهذا التاريخ. هذا وأن ما أورده إنما يرتكز على وثائق ومواد فريدة وعسيرة المنال من الأرشيفات والمكتبات السوفياتية: أرشيف المستشرقين ومكتبة فرع لينينغراد لمعهد الاستشراق لدى أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفياتي، أرشيف الدولة العسكري التاريخي المركزي (موسكو)، أرشيف الدولة التاريخي المركزي (لينينغراد)، مجموعات المخطوطات والوثائق لدى أكاديمية العلوم في جمهورية أوزبكستان الاشتراكية السوفياتية (طقشند"، أرشيف الدولة المركزي للأسطول البحري الحربي (لينينغراد)، أرشيف سياسة روسيا الخارجية، أرشيفات مكتبات أخرى في لينينغراد وموسكو وتبيليسي.

ويعود مكان الصدارة في هذا الكتاب إلى المواد المتعلقة برحلة العقيد في الجيش الروسي، عبد العزيز دولتشين إلى مكة والمدينة سنة 1898. ولكي يحصل القارئ على تصور عن طيف الآراء والتقييمات المتواجدة في روسيا على تخوم القرنين التاسع عشر والعشرين بصدد الحج، تمّ في هذا الكتاب وفي الملاحق جمع سلسلة من المواد، في عدادها انطباعات عن الحج، أصدرها حجاج بسطاء من منطقة الفولغا والأورال الجنوبي وتركستان تبرز أولوياتهم واهتماماتهم وتعطي تصورات عن العقائد الشعبية العديدة بصدد الحج. وعلى سبيل الذكر تصور حول الحج من قبل باحث في العلوم الاجتماعي مسلم ذا توجهات تقدمية ومن معاون في القنصلية الروسية في جدة مفعم بالروح الأوروبية، إلى جانب رأي باحث روسي في العلوم الاجتماعية مفعم بالشوفينية وبأفكار الدولة الكبرى (روسيا) تجاه حج المسلمين، بالإضافة إلى وثيقة رسمية لوزارة الداخلية في إمبراطورية روسيا تتعلق بتنظيم حج المسلمين.

وتجدر الإشارة إلى أن القرار غير العادي نوعاً ما، بإرسال ضابط مسلم في الجيش الروسي، وذا ثقافة وتربية إسلامية، العقيد دولتشين قد اتخذ في وضع تعاظم فيه كثيراً دور العامل الإسلامي في سياسة روسيا الداخلية والخارجية. هذا وقد تمّ استهلال هذه الرحلات بعض الخيوط السياسية الخارجية والداخلية الذي تمّ اتخاذ هذا القرار في ظلها، ولخصائص العلاقات بين الطوائف، والعلاقات بين المسلمين في روسيا على تخوم القرنين التاسع عشر والعشرين، والقضايا الناشئة لمناسبة حج المسلمين من رعايا روسيا.